الاثنين، 20 أكتوبر 2025

لماذا يفلس البعض رغم رواتبهم العالية؟ السر في الثقافة المالية


في مجتمعاتنا، كثيرًا ما يُقاس النجاح المالي بحجم الراتب أو مصادر الدخل، بينما يتجاهل البعض العنصر الأهم والأكثر تأثيرًا على الاستقرار المادي: الثقافة المالية ...


فأن تكسب المال، هذا أمر جيد؛ لكن أن تعرف كيف تديره بحكمة، فهذا هو التحدي الحقيقي الذي يُحدث الفارق بين شخص مدين باستمرار، وآخر يحقق التوازن، بل وينمو ماليًا مهما كان دخله.


الراتب ليس كل شيء

من الأمثلة الشائعة التي تُتداول في أحاديث الناس:
"أعرف شخصًا راتبه 50 ألف جنيه ويستدين آخر الشهر، وآخر راتبه 10 آلاف جنيه ويُدخّر منه كل شهر."


الفرق لا يكمن في الأرقام، بل في العقلية المالية، أي كيف ينظر كل منهما إلى المال ويتصرف به.


للأسف، لا يتم تعليمنا في مراحل الدراسة كيف ندير أموالنا، ولا كيف نُفرّق بين الرغبات والاحتياجات، أو كيف نضع ميزانية شخصية، أو حتى كيف نتعامل مع البطاقات الائتمانية، والقروض، والادخار، والاستثمار.


 ولهذا السبب، يقع الكثيرون في فخ الإنفاق العشوائي، والدخول في دوامة ديون لا تنتهي، رغم الدخل المرتفع أحيانًا.


عندما لا تكفي الملايين

واحدة من أشهر القصص التي تُروى في هذا السياق، هي قصة البريطاني "مايكل كارول"، عامل النظافة الذي فاز بـ15 مليون دولار في اليانصيب، ليعود بعد سنوات قليلة إلى وظيفته الأصلية، بعد أن أنفق كل ثروته بلا تخطيط أو وعي مالي.


تُظهر هذه القصة أن المال بلا إدارة صحيحة، مصيره الزوال، وأن امتلاك مبالغ طائلة ليس ضمانًا للثراء أو الاستقرار، إن لم يكن مصحوبًا بثقافة مالية راسخة.


لماذا نحتاج إلى الثقافة المالية؟

الثقافة المالية تمنحك القدرة على:

  • فهم سلوكك المالي والتحكم به
  • وضع خطة مالية واقعية لأهدافك
  • تجنب الديون أو إدارتها بذكاء
  • الاستعداد للطوارئ والأزمات
  • خلق عادة الادخار، وفتح باب الاستثمار الآمن

ببساطة، هي مهارة حياة أساسية، لا تقل أهمية عن التعليم الأكاديمي أو الخبرات المهنية.


خطوات عملية لتعزيز الثقافة المالية

البدء لا يتطلب أن تكون خبيرًا اقتصاديًا، بل أن تبدأ ببعض العادات اليومية:

  1. ضع ميزانية شهرية واضحة: حدد دخلك، وقسمه إلى بنود (احتياجات، ادخار، كماليات).
  2. ادخر أولًا، ثم أنفق: اجعل الادخار أولوية، وليس مجرد ما يتبقى.
  3. تجنب الديون الاستهلاكية: مثل القروض لأمور غير ضرورية.
  4. استثمر في التعلم المالي: اقرأ كتبًا، تابع خبراء، أو اشترك في دورات بسيطة.
  5. تعامل مع المال كأداة، وليس غاية: المال وسيلة لتحقيق الأمان، وليس مصدر قلق دائم.

ثقافة المال تبدأ من البيت

من المهم غرس مفاهيم الثقافة المالية في الأطفال منذ سن مبكرة، سواء عبر تعليمهم الادخار، أو إشراكهم في مناقشات مالية بسيطة، أو منحهم مساحة لاتخاذ قرارات مالية صغيرة. فكلما بدأ الوعي المالي مبكرًا، كانت النتائج أقوى على المدى الطويل.


فالثقافة المالية ليست ترفًا، بل ضرورة، في ظل ضغوط الحياة الاقتصادية، وتعدد مصادر الإنفاق، وارتفاع تكاليف المعيشة، لم يعد بالإمكان ترك الأمور "تمشي كما تأتي".


علينا أن نتعلم كيف نُحسن استخدام ما نملك، بدلًا من اللهث وراء المزيد دون تخطيط.

ولنتذكر دائمًا:

ليس المهم كم تكسب… بل المهم كم تحتفظ منه، وكيف تستخدمه.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق